أمر الفيل ، وقصة النسأة
صفحة 1 من اصل 1
أمر الفيل ، وقصة النسأة
بسم الله الرحمن الرحيم
بناء القليس
ثم إن أبرهة بنى القلَيس بصنعاء، فبنى كنيسة لم يُر مثلُها في زمانها بشيء من الأرض، ثم كتب إلى النجاشي: أني قد بنيت لك أيها الملك كنيسةً لم يُبْنَ مثلُها لملك كان قبلك، ولست بمنته حتى أصرف إليها حج العرب.
فلما تحدثت العرب بكتاب أبرهة ذلك إلى النجاشي غضب رجلً من النَّسأة، أحد بني فُقَيْم بن عديّ بن عامر بن ثعلبة بن الحرث بن مالك بن كنانة بن خُزَيمة بن مُدْرِكة بن إلياس ابن مضر.
معنى النسأة
والنسأة:الذين كانوا ينسئون الشهور على العرب في الجاهلية، فيحلُّون الشهر من الأشهر الحُرُم، ويحرمون مكانه الشهر من أشهر الحل، ويؤخرون ذلك الشهر، ففيه أنزل الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ الله} [التوبة:37]
المواطأة لغة
قال ابن هشام: ليواطئوا : ليوافقوا، والمواطأة: الموافقة، تقول العرب: واطأتُك على هذا الأمر، أي: وافقتك عليه، والإيطاء في الشعر: الموافقة، وهو اتفاق القافيتين من لفظ واحد وجنس واحد، نحو قول العَجّاج واسم العجاج : عبد الله بن رُؤبة أحد بني سعد بن زيد بن مَناة بن تميم بن مُر بن أدّ بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار:
في أثْعبان المَنْجَنون المُرسَل
ثم قال:
مدّ الخليجِ في الخليجِ المُرْسَل
وهذان البيتان في أرجوزة له.
تاريخ النسء عند العرب
قال ابن إسحاق: وكان أول من نسأ الشهور على العرب: فأحلت منها ما أحلّ، وحرمت منها ما حرم القَلمس وهو حُذيفة بن عبد بن فُقَيْم بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن الحرث ابن مالك بن كنانة بن خُزَيمة. ثم قام بعده على ذلك ابنه (عباد) بن حذيفة، ثم قام بعد عباد قَلَع بن عبَّاد، ثم قام بعد قَلَع أمية بن قلع، ثم قام بعد أمية عوف بن أمية، ثم قام بعد عوف أبو ثُمامة جُنَادة بن عَوْف، وكان آخرهم، وعليه قام الإسلام ، وكانت العرب إذا فرغت من حجها اجتمعت إليه، فحرم الأشهر الحرم الأربعة: رجباً، وذا القعدة، وذا الحجة، والمحرم، فإذا أراد أن يحل شيئاً أحل المحرم فأحلوه وحرم مكانه صفر فحرموه ؛ ليواطئوا عدة الأربعة الأشهر الحُرُم، فإذا أرادوا الصدر قام فيهم، فقال: " اللهم إني قد أجللت لك أحد الصَّفرَيْن، الصفر الأول، ونسأت الآخر للعام المقبل " فقال في ذلك عُمَيْر بن قَيْس(( جذْل الطَّعان )) أحدُ بنى فراس بن عنْم (بن ثعلبة) بن مالك بن كنانة، يفخر بالنَّسأة على العرب:
لقد علمتْ مَعَد أن قومـــي كرامُ الناسِ أنّ لــهم كِرَامَا
فأيّ النـاسِ فاتونا بوِتـــْر؟ وأيّ الناسِ لم نُعْلِكْ لــجاما؟
ألسْنا النَّاسئين على مَعـــد شهورَ الحِلِّ نجعلها حَراما؟
قال ابن هشام: أول الأشهر الحرم المحرَّم.
إحداث الكناني في القليس ، وحملة أبرهة على الكعبة
قال ابن إسحاق: فخرج الكنانيُّ حتى أتى القلَّيْس فقعد فيها.قال ابن هشام: يعني: أحدث فيها. قال ابن إسحاق: ثم خرج فلحق بأرضه، فأخبر بذلك أبرهة، فقال: من صنع هذا ؟ فقيل له: صنع هذا رجل من العرب من أهل هذا البيت الذي تحج العربُ إليه بمكة، لما سمع قولك: "أصرف إليها حج العرب " غضب فجاء فقعد فيها، أي: أنها ليست لذلك بأهل. فغضب عند ذلك أبرهة، وحلف: ليسيرنَّ إلى البيت حتى يهدمه، ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهَّزت، ثم سار وخرج معه بالفيل، وسمعت بذلك العرب فأعظموه، وفظِعوا به، ورأوا جهاده حقا عليهم، حين سمعوا بأنه يريد هدم الكعبة، بيت الله الحرام.
هزيمة ذي نفر أمام أبرهة
فخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له: ذو نَفْر، فدعا قومه، ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة، وجهاده عن بيت الله الحرام، وما يريد من هدمه وإخرابه ، فأجابه إلى ذلك من أجابه ، ثم عرض له فقاتله ، فهُزم ذو نفر وأصحابه، وأخذ له ذو نفر، فأتى به أسيراً، فلما أراد قتله، قال له ذو نفر: أيها الملك، لا تقتلني، فإنه عسى أن يكون بقائي معك خيراً لك من قتلى، فتركه من القتل، وحبسه عنده في وثاق، وكان أبرهة رجلا حليماً.
ما وقع بين نفيل وأبرهة
ثم مضى أبرهة على وجهه ذلك يريد ما خرج له، حتى إذا كان بأرض خَثْعَم عرض له نُفيل بن حبيب الخَثعمي في قَبيلَيْ خَثعَم: شَهْران، وناهس ، ومن تبعه من قبائل العرب فقاتله فهزمه أبرهة، وأخذ له نُفيل أسيراً، فأتى به، فلما همَّ بقتله قال له نُفيل: أيها الملك، لا تقتلني فإني دليلك بأرض العرب، وهاتان يداي لك على قبيلي خثعم: شهران وناهس، بالسمع والطاعة، فخلى سبيلَه.
ابن معتب وأبرهة
وخرج به معه يدله، حتى إذا مرّ بالطائف خرج إليه مسعود بن مُعَتب بن مالك بن كعب ابن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف، في رجال ثقيف.
نسب ثقيف وشعر ابن أبي الصلت في ذلك
واسم ثَقِيف: قَسِيُّ بن النبيت بن منبه بن منصور بن يَقْدُم بن أفصى بن دُعْمي بن إياد (بن نزار) بن معدّ بن عدنان.
قال أمية بن أبي الصلت الثقفي :
قومي إيــاد لو أنهمْ أمَـــم أو لو أقاموا فتُهْزَل النّـَعَمُ
قوم لهم ساحةُ العراقِ إذا ساروا جميعاً والقطّ والقَلم
وقال أمية بن أبي الصلت أيضاً:
فإمَّا تَسْألــي عنـي لُبَيْنَي وعن نسبي أخَبِّرْك اليقينا
فإنا للنَّبيتِ أبي قَســــــِي لمنصورِ بنِ يَقْدُمَ الاقدمينا
قال ابن هشام: ثقيف: قسي بن مُنبه بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قَيس بن عيلان بن مُضَر بن نزار بن معد بن عدنان، والبيتان الأولان والآخران في قصيدتين لأمية.
استسلام أهل الطائف لأبرهة
قال ابن إسحاق، فقالوا له: أيها الملك، إنما نحن عبيدك سامعون لك مطيعون، ليس عندنا لك خلاف، وليس بيتنا هذا البيت الذي تريد - يعنون اللات - إنما تريد البيت الذي بمكة، ونحن نبعث معك من يدلك عليه، فتجاوز عنهم.
اللات
واللات: بيت لهم بالطائف كانوا يعظمونه نحو تعظيم الكعبة. قال ابن هشام: أنشدني أبو عبيدة النحوي لضرار بن الخطاب الفِهْرِي:
وفرت ثقيف إلى لاتــِها بمُنْقَلَب الخائـبِ الخاسِر
وهذا البيت في أبيات له.
معونة أبي وغال لأبرهة وموته وقبره
قال ابن إسحاق: فبعثوا معه أبا رغال يدلُّه على الطريق إلى مكة، فخرج أبرهة ومعه أبو رغال حتى أنزله المُغَمِّس ، فلما أنزله به مات أبو رغال هنالك، فرجمت قبره العربُ، فهو القبر الذي يرجم الناس بالمغمِّس.
الأسود واعتداءه على مكة
فلما نزل أبرهة المغَمَّس بعث رجلا من الحبشة يقال له:الأسْوَد بن مقصود على خيل له حتى انتهى إلى مكة، فساق إليه أموال (أهل) تِهامة من قريش وغيرهم، وأصاب فيها مائتي بعير لعبد المطلب بن هاشم، وهو يومئذ كبير قريش وسيدها، فهمت قريش وكنانة وهُذيل ومن كان بذلك الحرم (من سائر الناس) بقتاله، ثم عرفوا أنهم لا طاقة لهم به، فتركوا ذلك.
حناطة وعبد المطلب
وبعث أبرهة حُناطة الحميري إلى مكة، وقال له: سَلْ عن سيد أهل هذا البلد وشريفها ، ثم قل (له) : إن الملك يقول لك: إني لم آت لحربكم، إنما جئت لهدم هذا البيت، فإن لم تعرضوا دونه بحرب، فلا حاجة لي بدمائكم، فإن هو لم يُرِدْ حربي فأتني به ؛ فلما دخل حُناطة مكة، سأل عن سيد قريش وشريفها، فقيل له: عبد المطلب بن هاشم، (بن عبد مناف ابن قصي) فجاءه، فقال له ما أمره به أبرهة، فقال له عبد المطلب: والله ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت الله الحرام، وبيت خليله إبراهيم – عليه السلام – أو كما قال – فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه، وإن يخل بينه وبينه، فوالله ما عندنا دَفع عنه، فقال (له) حُناطة: فانطلق معي إليه، فإنه قد أمرني أن آتيه بك.
فانطلق معه عبد المطلب، ومعه بعض بنيه حتى أتى العسكر، فسأل عن ذي نفر، وكان له صديقاً، حتى دخل عليه وهو في محبسه، فقال له: يا ذا نفر: هل عندك من غناء فيما نزل بنا؟ فقال له ذو نفر: وما غناء رجل أسير بيدي ملك ينتظر أن يقتله
غُدواً أو عشياً ؟ ما عندي غناء في شيء مما نزل بك، إلا أن أنيساً سائس الفيل صديق لي ، وسأرسل إليه فأوصيه بك ، وأعظم عليه حقك، وأسأله أن يستأذن لك على الملك، فتكلمه بما بدا لك، ويشفع لك عنده بخير إن قدر على ذلك، فقال: حسبي، فبعث ذو نفر إلى أنَيْس، فقال له: إن عبد المطلب سيد قريش، وصاحب عِير مكة، يطعم الناس بالسهل، والوحوش في رءوس الجبال، وقد أصاب له الملك مائتي بعير، فاستأذن له عليه، وانفعه عنده بما استطعت ، فقال: أفعل.
فكلّم أنَيْس أبرهةَ، فقال له: أيها الملك، هذا سيد قريش ببابك يستأذن عليك، وهو صاحب عير مكة، وهو يُطعم الناس في السهل، والوحوش في رءوس الجبال، فائذن له عليك فيكلمك في حاجته، (وأحسن إليه) قال: فأذن له أبرهة.
عبد المطلب وحناطة وخويلد بين يدي أبرهة
وكان عبد المطلب أوسم الناس، وأجملهم، وأعظمهم، فلما رآه أبرهة أجلَّه وأعظمه وأكرمه عن أن يجلسه تحته، وكره أن تراه الحبشةُ يجلس معه على سرير ملكه، فنزل أبرهة عن سريره، فجلس على بساطه، وأجلسه معه عليه إلى جنبه، ثم قال لترجمانه: قل له: حاجتك، فقال له ذلك الترجمان، فقال: حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي، فلما قال به ذلك، قال أبرهة لترجمانه: قل له: قد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم زهدتُ فيك حين كلمتني، أتكلمني في مائتي بعير أصبتُها لك وتترك بيتاً هو دينُك ودينُ آبائك قد جئتُ لهدمه لا تكلمني فيه؟ قال له عبد المطلب: إني أنا رب الإبل، وإن للبيت ربّاً سيمنعه، قال: ما كان ليمتنع مني، قال: أنت وذاك.
وكان فيما يزعم بعض أهل العلم، قد ذهب مع عبد المطلب إلى أبرهة حين بعث إليه حُناطة، يعمر بنُ نُفاثة بن عدي بن الدُّئل بن بكر بن مناة بن كنانة وهو يومئذ سيد بني بكر، وخُوَيلد بن واثلة الهذلي ، وهو يومئذ سيد هذيل فعرضوا على أبرهة ثلث أموالِ تهامة، على أن يرجع عنهم ولا يهدم البيت، فأبى عليهم، والله أعلم أكان ذلك أم لا، فرد أبرهة على عبد المطلب الِإبل التي أصاب له.
مواضيع مماثلة
» تكميل (أمر الفيل ، وقصة النسأة)
» تكميل (أمر الفيل ، وقصة النسأة)2
» أمر عبد الله بن الثامر، وقصة أصحاب الأخدود
» أمر ربيعة بن نصر ملك اليمن وقصة شِقّ وسطيح الكاهنين معه
» أَمْر عَمْرو بن عامر في خروجه من اليمن وقصة سد مأرب
» تكميل (أمر الفيل ، وقصة النسأة)2
» أمر عبد الله بن الثامر، وقصة أصحاب الأخدود
» أمر ربيعة بن نصر ملك اليمن وقصة شِقّ وسطيح الكاهنين معه
» أَمْر عَمْرو بن عامر في خروجه من اليمن وقصة سد مأرب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى